تقريبا لم يعد يمر اكثر من أسبوع حتى تنجلي حقائق جديدة تكشف عن المزيد من الخطط التي تنفذها أطرافا دولية بهدف احكام قبتضتها الاقتصادية والسياسية على القارة الأفريقية.
واذا كنا نتحدث عن اسدال الستار عن منظومة دولية اعتمدت لاكثر من 3 عقود على هيمنة قوة وحيدة- الولايات المتحدة الأميركية- متفردة بإدارة الازمات العالمية منذ انهيار الإتحاد السوفياتي السابق ، فان الارهاصات التي تتولد من رحم الصراع الاوكرانى الروسي جارى حاليا ،يشير بدرجة كبيرة ان القارة الافريقية هذه المرة ستكون في أولويات الطرف المنتصر في رسم خريطة العالم الجديد، بل يمكن القول ان من يريد ان يحقق الحسم في هذا الصراع عليه أولا ان يفوز بقلب افريقيا.
اللافت في الصراع العالمى الجديد ان القوى الكبرى بدات تستوعب ان السباق للفوز بقيادة هذا العالم لابد وان يمر عبر احترام قوانين الطبيعة التي تجاوزوها واهملوها طلية عقود الثورات الصناعية على مر التاريخ ، وتلك القوى تتحرك الى اهدافها هذه المرة وهى مدفوعة بمخاوف الكوارث الطبيعية التي تزايدت مؤخرا بسبب الخلل البيئي الناجم في اغلبه من الاحتباس الحرارى، وهم يرون انه لا مانع من الصراع شريطة احترام مفرداته واولها التنافس في بيئة نظيفة ، او بمعنى ادق ان يصبح الصراع على من يستحوذ على الطاقة النظيفة سواء غاز او طاقة شمسية او رياح ، فضلا عن المعادن المستجدة .. وهنا أصبحت افريقيا هي الجائزة الكبرى التي يسعي لها الجميع.
عندما نتطرق إلى المنافسة الصينية -الاميركية على الساحة الإفريقية، فإننا نعني في المقام الأول البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، رغم أن شمال أفريقيا لا يشكل استثناءً من هذه المنافسة. فشمال أفريقيا يمثل مجموعةً متباينة من الفرص والتحديات لكل من الصين والولايات المتحدة لكونه جزءا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولقربه الجغرافي من أوروبا. أما المنطقة الأفريقية المهمة الواقعة جنوب الصحراء، فقد كانت الولايات المتحدة، على مدار القرن الماضي، تحظى بالأفضلية فيها، لأسباب اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، لكن الصين آخذة باللحاق بها على نحوٍ سريع في الآونة الأخيرة.
فالسياسة الصينية تجاه أفريقيا اليوم تهدف إلى تحقيق أربعة مآرب استراتيجية. أولها الوصول إلى الموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز. ثانياً، تسهيل الاستثمارات في أفريقيا للاستفادة من قلة تكاليف اليد العاملة الافريقية تماشيا مع جهود بكين لإعادة هيكلة اقتصادها بعيدا عن الصناعات التي تتطلب عمالة كثيفة، خاصة مع زيادة تكاليف العمالة في الصين. ثالثا، تنشد الصين الحصول على الشرعية السياسية إقليمية تعزز موقفها تجاه تايوان المدعومة غربا. وأخيرا، تسعى الصين إلى دور أكثر إيجابية كمساهم في الاستقرار في المنطقة، للتخفيف جزئيا من التهديدات المتعلقة بالأمن والتي تهدد المصالح الاقتصادية للصين.
علي الطرف الاخر فإن واشنطن لم تنظر إلى أفريقيا على نحوٍ مغاير إلا في ظل إدارة أوباما الثانية ما بين 2009 و2013 حيث أطلق الرئيس أوباما مبادرة Power Africa"" (طاقة إفريقيا)، وهي شراكة مبتكرة لمضاعفة إمكانية الوصول إلى الكهرباء في أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.
والاستراتيجية الامريكية تعتقد ان الصين هي المنافس الرئيسي للولايات المتحدة في أفريقيا. وأن تطور هذه القارة سيكون محددا رئيسيا لمستقبل العالم واميركا في هذا القرن.
تنطلق "استراتيجية أفريقيا" من افتراض أن أفريقيا تمثل أولوية أساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهي ترتكز على إدراك أهمية أفريقيا بالنسبة للأولويات العالمية للولايات المتحدة، كالنمو السكاني السريع للقارة، وكونها واحدة من أكبر الكتل التجارية في العالم، وكونها تتمتع بموارد طبيعية كبيرة، كما تتمتع بكتلة تصويت كبيرة في الأمم المتحدة، وثمة مسوغ آخر وهو أنها تحدّد موقع الولايات المتحدة في منافستها مع الصين وروسيا لكي تصبح القوة التي تحظى بتأثيرٍ أكبر في أفريقيا.
تضع هذه الاستراتيجية نصب عينها أربعة أهداف رئيسية، تتمثل في تعزيز الانفتاح علي المجتمعات، ونشر الديمقراطية، وتقديم الفرص اقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف المناخي والانتقال العادل للطاقة.. وهذا هو لب الصراع الجديد.